أخر العلاج خالد فضل السيد إصلاح الخدمة المدنية يبدأ باصلاح مؤسسات الدولة

التدهور المريع الذي وصل اليه حال الخدمة المدنية في السودان يعتبر امر محزن ومبكي في ان واحد لكن ان تاتي متاخرا خيرا من ان لا تاتي والاعتراف بالخطا و بوجود مشكلة هي اولي الخطوات لمعالجة الخلل ما قامت به وزارة العمل والاصلاح الاداري يعتبر بكل المقاييس خطوة موفقة لانتشال الخدمة المدنية من وعكتها واعادتها الي الطريق الصحيح والذي بموجبه سينعكس علي الاداء العام ومن ثم علي الدولة .
ومما يلتفت الانتباه ان السودان هو الدولة الوحيدة علي مستوي العالم ماضيه اجمل من حاضره وفي كل النواحي وبالذات في مجال الخدمة المدنية فكان يشار اليه بالبنان فكانت بعض الدول العربية التي تتمشدق الان امامنا ونسيت ماضيها كانت تقوم في الماضي بارسال مناديبها للسودان لانتداب الخبراء والموظفين للاستفادة من هذه الكوادر في تطوير الخدمة المدنية لديها فالتاريخ يذكر ذلك ويسجله بالرغم من خجلهم منه ومحاولة اخفاء هذه الحقيقة وباعتراف الجميع السودان في يوما ما وسنين مضت كان يحتذي به في مجال الخدمة المدنية فكان يضرب به المثل .
في تلك الفترة من العصر الذهبي كانت المصلحة العامة تتغلب علي الخاصة والولاء للمؤسسة والعمل والوطن لاتحده حدود ولا توجد شلليات او محاباة او قريب المدير او الوزير فكانت النزاهة والكفاءة هي ديدن العمل اذ كانت شروط الخدمة او التعيين لامجاملة فيها .
الان تغير الوضع تماما واخذنا نتباكي علي الماضي واصبحنا نستدعي الخبراء والكفاءات من ذات الدول التي كانت تعتبرنا في يوم ما قدوة لها في مجال الخدمة المدنية فاصبحت كفاءتها ممن تعلم العمل من ايدي خبرائنا في السابق هم من نرجع لهم ونستدعيهم لمعالجة الخلل الذي اصاب خدمتنا المدنية حقا انها صورة مقلوبة .
حتي تعود للخدمة المدنية عافيتها ورونقها السابق لابد من وضع الخطط والاستراتيجيات طويلة المدي وليست الاسعافية وسياسة رزق اليوم باليوم لاتجدي لبرنامج دولة فيجب تعديل اللوائح والقوانين والزام مؤسسات الدولة بالالتزام بها وقبل كل شئ علينا نراعي ونحترم حقوق الاخرين ( كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته ) فالاصلاح يبدا اولا باصلاح الانفس ( لايغير الله مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم ) .
معالجة الخلل والقصور بالخدمة المدنية يحتاج الي ارادة وطنية وعزيمة وتغير للمفاهيم والقيم الاخلاقية فاذا اردنا اعادة الخدمة المدنية لهيبتها وسيرتها الاولي علينا اولا ان نعترف ان السبب الاساسي في هذا الخلل هو التصنيفات السياسية التي تسببت في ابعاد الخبرات والمؤهلين والعلماء واجبرتهم للهجرة للخارج فاستفادت من خبراتهم تلك الدول التي هاجروا اليها .
حتي ينصلح حال الخدمة المدنية علينا ان نستفيد من اخطاء الماضي بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومحاربة سياسة الحفر والضرب تحت الحزام والعمل بمبدا الشفافية والوضوح والاستفادة من الخبرات حتي بعد تركها للعمل فالاستعانة بهم واجب تمليه الضرورة في حالات المشورة او التدريب فالدول المتقدمة تطورت ونهضت بالاستفادة القصوي من خبراتها وكفاءتها .
بعد تغير السياسات الخاطئة والمنفرة من العمل وتهيئة البيئة حتما ستعود الكوادر المؤهلة والخبرات من الخارج ليستفيد منها الوطن بعد زول الاسباب وبعضهم الان موجود بالبلاد يمكن الاستفادة من خبراته وخلاف ذلك سنعود للمربع الاول وستذهب توصيات هذا المؤتمر ادراج الرياح .
الكوادر السودانية في الخدمة المدنية التي تمت محاربتها واضطرت للهجرة للخارج مشهود لها بالكفاءة ومثال لذلك في احدي المؤتمرات الدولية في السابق كان عن مرض النوم وعلاقة ذبابة التسي تسي به وطرق العلاج فكان ممثل دولة سويسرا في ذلك المؤتمر طبيب سوداني الجنسية وهو الدكتور المعز عمر بخيت فتم اعطاؤه الجنسية السويسرية فورا حتي يصبح ممثلا للدولة وباسمها فتلك الدول تقدر الخبرات والكفاءات وكذلك حكي لي احد الخبراء المصريين عندما التقينا في احدي المؤتمرات العلمية وكان محور نقاشنا انا وهو عن الخبرات من الكوادر السودانية بالخارج فاكد لي عن
السمعة الطيبة التي يتمتع بها السودانيين بدول المهجر في مختلف المجالات فقال لي انتم لاتعترفون بكوادركم بينما الدول الاخري تهتم بهم وتوفر لهم سبل الراحة للابداع والتفوق وحكي قائلا عندما اصيبت الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا في حياتها في السابق بداء في السلسلة الفقرية كانت العملية في غاية الخطورة وتم البحث في كل انحاء العالم عن جراح متخصص وكفوء في مثل هذه العمليات وبعد البحث الطويل تمت الإشارة الي طبيب سوداني بارع في مثل هذه العمليات ومشهودة له بالكفاءة فسخر من ذلك وزير الدفاع فوصل الخبر الي مسامع الطبيب السوداني ولم يعره اهتماما ولكن بعد فترة وبعد تفاقم الاصابة قررت اسرة الملكة الاتصال بالطبيب السوداني حيث لايوجد خيار اخر سواه وعندما اتصلوا عليه لاجرائها رفض وطلب منهم ان شرطا واحدا هو اعتذار وزير الدفاع شخصيا له باعتباره سخر من امكانياته فتم الضغط علي وزير الدفاع في حينها فاعتذر له وتم اجراء العملية بنجاح انها صورة مشرفة للكوادر السودانية بالخارج فامثال هؤلاء نحن هنا من نجبرهم علي الرحيل ثم ناتي لنتباكي علي مافعلناه بايدينا معهم لنجبرهم علي الرحيل الذي يدفع ثمنه الان السودان والخدمة المدنية وهذه لامثلة فقط للكفاءات السودانية بالخارج علي سبيل المثال لا الحصر .
فدعونا لا نتباكي علي الاطلال بعد هبوطنا السريع من القمة الي القاع في مجال الخدمة المدنية بسبب السياسات الخاطئة فيجب ان نتعظ منها ولا نعود لتكرارها مرة اخري عبر وضع اللوائح والقوانين الصارمة وتعديل القوانين القديمة التي تم وضعها فكانت سببا في هذه الانتكاسة التي ادت تدهور الخدمة المدنية .
حسنا قامت وزارة العمل والاصلاح الاداري بعقد مؤتمر الخدمة المدنية والذي كان برعاية رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان وبتشريف عدد من الوزراء الاتحاديين وولاة الولايات ومدراء الادارات والجهات ذات الصلة لمناقشة التحديات ووضع الخطط لتحسين الخدمة العامة .
ومن البشريات لحسم الفوضي التي صاحبت الاداء وتسببت في تدهور الخدمة المدنية بالبلاد وبمؤسسات الدولة ومحاسبة كل متجاوز للوائح والقوانين نكتفي بالكلام القوي والواضح الذي اكده رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان خلال مؤتمر اصلاح الخدمة المدنية حيث اكد ان عهد المجد للساتك انتهي والمجد للبندقية وقال مؤكدا تاني مافي زول بخرب ويقفل الشارع مشددا علي عدم تسيس الخدمة المدنية ولا مجاملة في ذلك مشيرا انهم مقبلون علي مرحلة جديدة لبناء السودان باعادة بناء الخدمة المدنية كغيرها من القطاعات مشيرا ان سياسة الدولة تجاه الخدمة المدنية ستقوم علي تنقيتها من المحسوبية والترهل الاداري الذي افقدها دورها والقائم علي اعطاء الحقوق والمطالبة بالواجبات حتي تنتهي مظاهر الفوضي مشددا علي اهمية التدرج الوظيفي مستبشرا ان يكون هذا المؤتمر فرصة لمعالجة اللوائح والقوانين واخراج الخدمة المدنية من النمطية التي ظلت ترافقها وحظر المناصب علي السياسيين في الخدمة وتحفيز منسوبيها من اجل اتاحة الفرصة للابداع .
وحسنا فطن ايضا الاستاذ احمد علي عبدالرحمن وزير العمل والاصلاح الاداري لذلك الخلل الكبير الذي اصاب الخدمة المدنية بعد الاستماع للاراء وتدوين الملاحظات من الخبراء والاعلاميين مؤكدا قيامهم بتقوية الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وتطوير القدرات البشرية ومراجعة القوانين لتتوافق مع الوضع الراهن ومعالجة القصور ومحاربة البيروقراطية وتعقيد الاجراءات بالاضافة الي تعزيز التكنولوجيا وتقييم الاداء وتوحيد شروط الخدمة للعاملين بالدولة مع اهمية حماية الخدمة من الاختراق والتجاوز الوظيفي لضمان بيئة عملية مناسبة تحقق الشفافية والعدالة لحفظ حقوق العاملين .



