الرمال المتحركة الدكتور يوسف القرشي يكتب: القيم النبيلة…

نورُ الإنسانية ومِرآةُ الضميرفي زمنٍ تتلاطم فيه أمواجُ المادّية، وتتسارعُ فيه خُطى الحياة حدَّ الإرهاق، تظلّ القيم النبيلة كالنجمِ الهادي في ظلمة الليل، تشير إلى الطريق، وتُضيء المسير، وتُعيد للإنسان وجهه الحقيقي إذا ما غلبته قسوةُ الواقع.
القيم النبيلة ليست شعارًا يُرفع، ولا خُطبة تُلقى، بل هي جوهرٌ راسخ في القلب، يُترجَم فعلًا وسلوكًا، وتُختَبر حقيقتُه في المواقف الصعبة، لا في لحظات الرخاء.
فما قيمة الصدق إن لم يُقال حين يخشى المرءُ الخسارة؟ وما معنى الأمانة إن لم تُحفَظ في غياب الرقابة؟ وما نفع الرحمة إن لم تشمل الضعفاء والمهمّشين؟
هكذا، تكون القيم النبيلة مِعيارًا للإنسان لا حين يكون الناس شهودًا، بل حين لا يراه سوى الله وضميره.
إنّ الكرم، والعدل، والتسامح، والإيثار، والصدق، والشجاعة، والتواضع، ليست فضائل فرّغها الزمان من معناها، بل هي حاجاتٌ مُلحّة لإنقاذ العالم من التصدّع الداخلي، والبؤس الروحي، والانحدار الأخلاقي.
ولعلّ أعظم ما يُبقي القيم حيّة في النفوس هو غرسُها في النشء، لا عبر التلقين، بل بالقدوة. فالطفلُ لا يُصدّق ما يُقال بلسان، بقدر ما يصدّق ما يُرى من أفعال. ومن هنا، كانت مسؤولية الكبار أعظم من أن تُختزَل في النُصح، بل عليهم أن يكونوا مرآةً صادقةً لما يَدعون إليه.
ختامًا، تظلّ القيم النبيلة ـ مهما بدت مغيبة ـ كامنةً في أعماق الإنسان، لا تموت، بل تنتظر لحظة صدق لتنبعث من جديد. فلنكن من أولئك الذين لا تُغيّرهم الظروف، بل يُغيّرون بها، ومن الذين إذا خُيّروا بين المصلحة والفضيلة، اختاروا ما يُرضي ضمائرهم، لا جيوبهم ولم يسلكوا درب الخيانه والعمالة القذره وبيع الضمير .