مقالات رأي

تصور كيف يكون الحال لو ماكنت سوداني بقلم : محمد مامون يوسف بدر

 

في لحظات المحن تبرز القيم الإنسانية الأصيلة وتتألق روح التضامن بين أبناء الوطن الواحد. هذا ما تجسد بأبهى صوره في الولاية الشمالية بالسودان التي فتحت ذراعيها وقلوبها لإخوانها النازحين من الفاشر لترسم لوحة إنسانية نادرة تثبت أن روابط الإنسانية أقوى من كل الظروف.
لقد تحولت قرى ومدن الولاية الشمالية إلى خلية نحل من العمل التطوعي حيث تسابق الأهالي لتقديم ما يستطيعون لإغاثة إخوانهم الوافدين. لم يكن الكرم مجرد كلمات وعبارات ترحيب بل تجسد في أفعال ملموسة توفير المأوى وتقديم الطعام والشراب وتأمين الرعاية الصحية بل وتمديد شبكات الدعم الاجتماعي والنفسي لمن فقدوا بيوتهم وأمنهم.
ما حدث في الولاية الشمالية لم يكن مجرد استجابة طارئة لأزمة إنسانية، بل كان تعبيراً عن عمق القيم السودانية الأصيلة، تلك القيم التي تربى عليها أجيال عرفت أن الإنسان أخ للإنسان وأن البلاد لا تتسع للجميع فحسب بل تحتضنهم كأهل بيت واحد. لقد قدم أهالي الشمالية درساً في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص للتعاضد والتلاحم.
كما قال الشاعر إسماعيل حسن :
بلادي أنا
بلاد ناسا في أول شئ
مواريثهم كتاب الله
وخيل مشدود
وسيف مسنون حداه درع
وتقاقيبهم تسرج الليل مع الحيران
وشيخا في الخلاوي ورع
وكم نخلات تهبهب فوق جروف الساب
وبقرة حلوبة تتضرع وليها ضرع
وساقية تصحّي الليل مع الفجراوى
يبكى الليل ويدلق في جداولو دمع
يخدر في بلادي سلام
تخيلوا معي كيف يكون الحال لو لم يكن هؤلاء السودانيون على هذه الدرجة من النبل؟ تخيلوا لو أن كل منطقة انكفأت على نفسها ورفضت مشاركة الآخرين في محنتهم؟ إنها جنة حقيقية تلك التي يعيشها من ينتمي إلى هذا الشعب الأصيل جنة الأخوة الإنسانية التي تعلو فوق كل اعتبار.
بلادي أمان ،،بلادي حنان
وناسها حنان ،يكفكفوا دمعة المفجوع
يبدوا الغير علي ذاتهم
يقسموا اللقمة بيناتهم
ويدوا الزاد حتى إن كان مصيرهم جوع
يحبوا الدار
يموتوا عشان حقوق الجار
ويخوضوا النار عشان فد دمعة
وكيف الحال كان شافوها
سايلة دموع ؟؟ديل أهلى ،،
إن ما قام به أهالي الولاية الشمالية تجاه إخوانهم النازحين من الفاشر يمثل نموذجاً يحتذى به في زمن كثرت فيه النزاعات وقلّت فيه القيم الإنسانية.
إنه يذكرنا بأن الخير لا يزال كامناً في نفوس أبناء هذا الوطن، وأن القيم السامية التي تربى عليها السودانيون قادرة على تجاوز كل الظروف الصعبة.
بلادي أنا بتشيل الناس وكل الناس
وساع بخيرها لينا يسع،
وتدفق مياه النيل علي الوديان
بياض الفضة في وهج الهجير بتشع،،،
بلادي سهول ،،بلادي حقول،،
بلادي الجنة للشـافوها ،أو للبرة بيها سمع ،،
بلادي أنا بلاد ناساً تكرم الضيف
وحتى الطير يجيها جيعان
ومن أطراف تقيها شبع ،،
فالتحية لأهل السودان عامة ولأهل الولاية الشمالية خاصة الذين جسدوا بأفعالهم معنى القيم الإنسانية الراسخة وبرهنوا أن روح العطاء لا تزال هي السمة الغالبة على هذا الشعب الأصيل.
فليحفظ الله بلدنا من كل سوء وليحفظ في أبنائه تلك القيم النبيلة التي تجعل من السودان جنة الأخوة والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى